التنمية المستدامة لمياه الأمطار بجبل نفّوسة في كتاب القسمة للفرسطائي النفّوسي (ت 504 هـ / 1111 م)

الملخص

حاول سكان جبل نفوسة منذ قديم الزمان التحكّم بمياه الأمطار، واستغلالها في الأعمال الحياتية ولاسيما الفلاحية، حيث أجبرهم المناخ شبه الجاف ومعدل التساقطات غير منتظمة، وطبيعة التضاريس الجبلية القاسية إلى البحث عن طرق يمكنهم من خلالها الاستفادة من التساقطات التي تتجمع بسفوح الجبال بشكل أودية صغيرة ووقتية ذات دفق قوي، تنطلق من الجبل وتصبُّ في الفحوص الشاسعة، فقاموا بكيفية تثير الاعجاب والاهتمام ببناء منشآت مائية جماعية، متناغمة مع طبيعة المناخ والتضاريس، وظلت تلك التقاليد متوارثة لحد الآن؛ مما يشكل تنمية مستدامة لمياه الأمطار في ظل شُح الموارد المائية الأخرى.

ويُعد كتاب القسمة وأصول الأرضين لأبي العباس أحمد الفرسطائي النفوسي (عاش بالقرن 5 الهجري / الحادي عشر الميلادي) من أقدم المؤلفات بتاريخ الحضارة الإسلامية ذات الأهمية الكبرى في الدراسات المتصلة بالهندسة الهيدروليكية، والتنمية المستدامة فترة التاريخ الإسلامي الوسيط، لأن مؤلفه عاش بحقبة عرفت فيها مناطق جبل نفوسة وما جاورها تكتف الحضور البشري والانتعاش الاقتصادي، وشهدت تطوّرا واضحا وشاملا للتهيئة المائية ونظام المياه الطبيعي، أو الذي أوجده الإنسان للاستفادة منه في معالجة ظروف الندرة المائية.

تهدف الدراسة إلى التعريف بأقدم مصنف يهتم بالتهيئة المائية ونظم استغلالها، ودراسة ما يهم قضايا المياه انطلاقا من المعطيات التي يوفرها كتاب القسمة للفرسطائي، وتحليل عناصر التهيئة المائية ونظام استغلالها وإبراز خصوصية هذه التهيئة، ومراعاتها للظروف الطبيعية في ظل ندرة الأمطار وتنوع التضاريس، وكذلك تبيان أن التهيئة المائية التي قدّمها مؤلف الكتاب أثبت جدواها الاقتصادية من خلال استدامة استغلالها منذ قرون عديدة وتلاؤمها مع المعطيات البيئية والاجتماعية.